الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
في الصحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ]). هذه الترجمة تحتمل كراهة هذا القول وتحريمه، وقد اختلف العلماء في ذلك وسيأتي التفصيل فيه. قوله: (في الصحيح). سبق التنبيه على مثل هذه العبارة في كلام المؤلف، وهذا الحديث في (الصحيحين)، أي: في الحديث الصحيح، ولعله أراد (صحيح البخاري)، لأن هذا لفظه، أما لفظ مسلم، فيختلف. قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يقل). الجملة نهي. (عبدي)، أي: للغلام. و(أمتي)، أي: للجارية. والحكم في ذلك ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يضيفه إلى غيره، مثل أن يقول: عبد فلان أو أمة فلان، فهذا جائز، قال تعالى: الثاني: أن يضيفه إلى نفسه، وله صورتان: الأولى: أن يكون بصيغة الخبر، مثل: أطعمت عبدي، كسوت عبدي، أعتقت عبدي، فإن قاله في غيبة العبد أو الأمة، فلا بأس به، وإن قاله في حضرة العبد أو الأمة، فإن ترتب عليه مفسدة تتعلق بالعبد أو السيد منع، وإلا، فلا لأن قائل ذلك لا يقصد العبودية التي هي الذل، وإنما يقصد أنه مملوك. الثانية: أن يكون بصيغة النداء فيقول السيد: يا عبدي! هات كذا، فهذا منهي عنه، وقد اختلف العلماء في النهي: هل هو للكراهة أو التحريم؟ والراجح التفصيل في ذلك، وأقل أحواله الكراهة. قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(لا يقل أحدكم: أطعم ربك...إلخ). أي: لا يقل أحدكم لعبد غيره، ويحتمل أن يشمل قول السيد لعبده حيث يضع الظاهر موضع المضمر تعاظما. واعلم أن إضافة الرب إلى غير الله تعالى تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن تكون الإضافة إلى ضمير المخاطب، مثل: أطعم ربك، وضيء ربك، فيكره ذلك للنهي عنه، لأن فيه محذورين: 1. من جهة الصيغة، لأنه يوهم معنى فاسدا بالنسبة لكلمة رب، لأن الرب من أسمائه سبحانه، وهو يطعم ولا يُطعم، وإن كان بلا شك أن الرب هنا غير رب العالمين الذي يطعم ولا يطعم، ولكن من باب الدب في اللفظ. 2. من جهة المعنى أنه يشعر العبد أو الأمة بالذل، لأنه إذا كان السيد ربا كان العبد أو الأمة مربوبا. القسم الثاني: أن تكون الإضافة إلى ضمير الغائب، لا بأس به، كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أشراط الساعة: القسم الثالث:أن تكون الإضافة إلى ضمير المتكلم، بان يقول العبد: هذا ربي، فهل يجوز هذا؟ قد يقول قائل: إن هذا جائز، لأن هذا من العبد لسيده، وقد قال تعالى عن صاحب يوسف: القسم الرابع: أن يضاف الاسم إلى الظاهر، فيقال: هذا رب الغلام، فظاهر الحديث الجواز، وهو كذلك ما لم يوجد محذور فيمنع، كما لو ظن السامع أن السيد رب حقيقي خالق ونحو ذلك. قوله: (وليقل: سيدي ومولاي). المتوقع أن يقول: وليقل سيدك ومولاك، لأن مقتضى الحال أن يرشد إلى ما يكون بدلا عن اللفظ المنهي عنه بما يطابقه، وهنا ورد النهي بلفظ الخطاب، والإرشاد بلفظ التكلم، وليقل: (سيدي ومولاي)، ففهم المؤلف رحمه الله - كما سيأتي في المسائل- أن فيه لإشارة إلى أنه إذا كان الغير قد نهى أن يقول للعبد: أطعم ربك، فالعبد من باب أولى أن ينهي عن قول: أطعمت ربي، وضأت ربي، بل يقول: سيدي ومولاي. وأما إذا قلنا بأن أطعم ربك خاص بمن يخاطب العبد لما فيه من إذلال العبد بخلاف ما إذا قال هو بنفسه: أطعمت ربي، فإنه ينتفي الإذلال، فإنه يقال: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما وجه الخطاب إلى العبد نفسه، فقال: (وليقل: سيدي ومولاي)، أي بدلا عن قوله: أطعمت ربي، وضأت ربي. وقوله: (سيدي) السيادة في الأصل علو المنزلة، لأنها من السؤدد والشرف والجاه وما أشبه ذلك. والسيد يطلق على معان، منها: المالك، والزوج، والشريف المطاع. وسيدي هنا مضافة إلى ياء المتكلم وليست على وجه الإطلاق. فالسيد على وجه الإطلاق لا يقال إلا لله - عز وجل - قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ(السيد الله) [الإمام أحمد في (المسند)(4/24، 35)، والبخاري في (الأدب المفرد) (211) وابو داود: كتاب الأدب / باب في كراهة التمادح.قال ابن حجر في الفتح (5/ 179): رجاله ثقات، وقد صححه غير واحد.] وأما السيد مضافة، فإنها تكون لغير الله، قال تعالى: ]، والفقهاء يقولون: إذا قال السيد لعبده، أي: سيد العبد لعبده. * · تنبيه: اشتهر بعض الناس إطلاق السيدة على المرأة، فيقولون مثلا: هذا خاص بالرجال، وهذا خاص بالسيدات، وهذا قلب للحقائق، لأن السادة هم الرجال، قال تعالى: قوله: (ومولاي). أي: وليقل مولاي، والولاية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ولاية مطلقة، وهذه لله - عز و جل - لا تصلح لغيره، كالسيادة المطلقة. وولاية الله نوعان: النوع الأول: عامة، وهي الشاملة لكل أحد، قال تعالى: النوع الثاني: خاصة بالمؤمنين، قال تعالى: القسم الثاني: ولاية مقيدة مضافة، فهذه تكون لغير الله، ولها في اللغة معان كثيرة، منها: الناصر، والمتولي للأمور، والسيد، والعتيق. قال تعالى: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فالسيد منهي أن يقول ذلك، لأنه إذا قال: عبدي وأمتي، فقد تشبه بالله - عز وجل - ولو من حيث ظاهر اللفظ، لأن الله - عز وجل - يخاطب عباده بقوله: عبدي، كما في الحديث: وإن كان السيد يريد بقوله: (عبدي)، أي: مملوكي، فالنهي من باب التنزه عن اللفظ الذي يوهم الإشراك، وقد سبق بيان حكم ذلك [تقدم (ص924) ]. وقوله: (وأمتي). الأمة: الأنثى من المملوكات، وتسمى الجارية. والعلة من النهي: أن فيه إشعارا بالعبودية، وكل هذا من باب حماية التوحيد والبعد عن التشريك حتى في اللفظ، ولهذا ذهب بعض أهل العلم ومنهم شيءخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله إلى أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، وأنه على سبيل الأدب والأفضل والأكمل، وقد سبق بيان حكم ذلك مفصلا. قوله: (وليقل فتاي وفتاتي).مثله جاريتي وغلامي، فلا بأس به. وفي الحديث فوائد: 1. حسن تعليم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث إنه إذا نهى عن شيء فتح للناس ما يباح لهم فقال: (لا يقل: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي)، وهذه كما هي طريقة القرآن أيضا، قال تعالى: الأولى: تسهيل ترك المحرم على هؤلاء، لأنهم إذا عرفوا أن هناك بدلا عنه هان عليهم تركه. الثانية: بيان أن الدين الإسلامي فيه سعة، وأن كل ما يحتاج إليه الناس، فإن الدين الإسلامي يسعه، فلا يحكم على الناس أن يتكلموا بشيء أو لا يفعلوا شيئا إلا وفتح لهم ما يغني عنه، وهذا من كمال الشريعة الإسلامية. 2 - أن الأمر يأتي للإباحة، لقوله: (وليقل: سيدي ومولاي)، وقد قال العلماء: إن الأمر إذا أتى في مقابلة شيء ممنوع صار للإباحة، وهنا جاء الأمر في مقابلة شيء ممنوع، ومثله قوله تعالى: * * * فيه مسائل: * الأولى: النهي عن قول: عبدي وأمتي. تؤخذ من قوله: (ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي)، وقد سبق بيان ذلك. * الثانية: لا يقول العبد: ربي، ولا يقال له:أطعم ربك. تؤخذ من الحديث، وقد سبق بيان ذلك. * الثالثة: تعليم الأول (وهو السيد) قول: فتاي وفتاتي وغلامي. * الرابعة: تعليم الثاني (وهو العبد) قول: سيدي ومولاي. * الخامسة: التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ. وقد سبق ذلك. وفي الباب مسائل أخرى لكن هذه المسائل هي المقصود. * * *
|